الإسلام يتحدى
كتاب انتهيت منه بتاريخ 14-12-2015، و كنت قد بدأت قراءته منذ شهرين متتابعين لمن أراد أن يفقه القراءة، و يا لسعادتي و أنا أغلق دفّته الأخرى، و يا لخيبة أملي و أنا أحاول إسقاط ما قرأته على الواقع...
لا شك أنَّ هناك العشرات بل المئات من الكتب و الرسائل و الخطب و البرامج و جميع المحاولات، التي يشهد لها العقل قبل الوجدان بالنيَّة الحسنة للدفاع عن الإسلام، و المبادرة إلى التعريف بالنبيّ الكريم، لكنّا نلمس فيها أسلوب التقرير الهجائيّ، و الوعظ الرثائيّ و البكاء على أطلال الفوراس و الرعب من تحرير المدارك، يمضغون سير الأولين و يجترون اختلاف الفقهاء و المتكلّمين، أولئك السلف الصالح الذين سبقونا إلى رضوان الرحمن و قد قضوا إلى ما قدّموا من تضحيات و عزّة و كرامة.
فنتأسّف على حال من انتهجوا هذا النهج للتعريف بالإسلام و الدفاع عنه.لذلك لا تكون النتائج بتلك القوّة التي أُعِدَّت بها تلكم المحاولات، و كثيرا من الأحينة لا تكون هناك نتائج ألبتّة، و ترى النّاس سكارى مسلميهم قبل ملحديهم و مشركيهم، يلجّون في طغيانهم يعمهون، و تلك الامّة الموحِّدة التي تدين بدين الحنفية مراوحة لمكانها، بل و متخلّفة عنه راجعة إلى سنن قد خلت.
فإذا ما واجهت هذه الأمّة تحديات و نوازل عصرنا، أسرع البعض إلى تراثنا و تمسك به و قال: لا غالب لكم اليوم من أمر الله إلاّ من رحم، لا يعملون عقولهم و لا ينفضون عليهم غبراء أفكارهم، و متى وجدوا مجتهدا مفكرا ناصحا مبادرا لإيجاد الحل بضوابطه الشرعية اتهموه بالتمنطق و التزندق و التأويل و التصحيف، دون أن يناقشوه و يحاوروه و يناصروه إن كان قد أصاب أو يناصحوه إن كان قد أخطأ، فتراه هو الآخر قد رجع عن قوله، و عاد عن رأيه رافعا راية الخطيئة !!! هذه هي الروح المنهزمة واأسفاه.
و من يهن يسهل الهوان عليه
و ما بجرح بميت إيلامُ
في حين يقوم الطبائعيون و أصحاب النزعة المادية و العلمية بجهود جبارة يباركها لهم الله رغم إلحادهم، لتقديم أطروحات و دراسات لمشكلات كثيرة قائمة على منهج تجربي و بحث علمي دقيق، حتى إنّك حين تقرأ لهم أسطرا، لا ترغب إلا بالانزواء تحت شجرة الغرقد كي يُسكِّنَ شوكها وصب الحسرة و نصب اليأس و القنوط.
لعلّ السؤال الي يطرح هو: لماذا؟ مالسبب؟
ببساطة و بدون تنظير مملّ الجواب هو: الإيمان ثم المنهجية
و هذا لا يمنع انتفاء عقيدة الخير في أمتي إلى يوم القيامة، فهناك من البواسل الشرفاء المخلصون النبلاء، و المفكرون الحكماء، الذين يحيون على إيمان التوحيد الخالص الذي لا تشوبه شائبة، يجندون أقلامهم و علومهم و معارفهم رغم قلتهم للذود عن شرعة الحكيم، و الدفاع عن نبيه الصادق الأمين، و من بينهم مؤلفنا هذا و إن كان غني عن التعريف في القارة الهندية و يعد ثالث اثنين يتولون الاهتمام بقضايا الاسلام و المسلمين : أبو الأعلى المودودي، أبو الحسن الندوي، و وحيد الدين خان صاحبنا هذا.
الكتاب:
سلافٌ كثير في بدايته ، قطر منهمر في نهايته، نهلٌ متأنٍّ في أسلوبه، شربٌ مسكرٌ في مضمونه، وَخَطَني الشيب وأنا أسترسل في مطالعته.
فالكتاب يعكس عقل المؤلف و ثقافته و منهجه، ذكرني بأسلافنا العلماء الذين كانوا موسوعات جمّة في علوم جمّة، فهم حكماء و فلاسفة و علماء طبيعة و جرّاحون و علماء دين و كيميائيون...الخ، ليس كحال خلفهم الذين لا يفقهون حتى تخصصاتهم.
تستشعر أنّ وحيد الدين خان اندمج في التيار الغربي و لم ينصهر كحال بعض المفكرين العرب، واجه الغزو الثقافي و لم يذب في طيّاته، عاصر و تعاصر مع المجتمع اللائيكي دون أن تصاب عقيدته بجرح أو دمل، فالرجل صاحب دعوة حق و هي مواجهة الغزو الإلحادي بنفس أسلحته العقلية و العلمية و المنطقية، و قد أجاد و أفاض في هذا الكتاب الغزير بمعلومات لم أتخيل يوما أن أقرأها في كتاب فكرته العامة الإسلام. فضلا عن إيجادي لأسئلة علمية كنت أحملها بداخلي عن كيفية حدوث هذا و وجود ذاك في الآفاق و في الأنفس كأسباب علمية و لا أقصد الكيفية هاهنا الإعجاز و مستحيلات الموجودات لأنّ ربي العظيم مولاي و سيدي لا يعجزه شيء في الأرض و لا في السماء.
ما أمتعني التسلسل المنطقي في طرح القضايا، فبدأ بقضية معارضي الدين فنقدها بنفس الاستدلالات التي يقدمونها هم لإثبات نظرياتهم، من بينها اللاشعور و دليل علم النفس ص 23.
ثم راح يفصل في نظرية التشكك في الوجود و الخلق، و في هذا الباب استطرد بمجموعة من الاستدلالات العقلية و الكونية بطريقة مميزة مبسطة، تزيد الذين اهتدوا هدى.
من بين البراهين الأكثر إقناعا للمشككين، استغلالهم لنظام الطبيعة و توازنها بقوانينها المنضبطة ص67 و 74.
ثم عرج إلى إثبات الآخرة بأدلة هي الأخرى علمية و نفسية و عقلية مدهشة، و بدأ بإمكان حدوث الآخرة و أسباب موت الإنسان و من بينها:
هناك دليل نفسي و مطلب غريزي للموت
كوننا مجبولين على حبّ الخير و نبذ الشر فهذا دليل نفسي يسمى بالضرورة الأخلاقية و بالتالي فلابدّ من آخرة فيها عقاب و ثواب:
بعد هذا يفصل وحيد الدين خان تفصيلا كاملا و متناسقا في إثبات الرسالة عن طريق إثبات أنّ القرآن وحي من الله تعالى.
و لقد قسّم آيات القرآن باعتبار العلوم الواردة فيه إلى قسمين:
و من أمثلة ذلك:
تحريم الخنزير
و غير هذه الأدلة كثير لمن أراد أن يطلعها عليها.
و تنتهي الرحلة المباركة بقضية التشريع و القانون، حيث يثبت وحيد الدين خان عدم فاعلية القوانين و الدساتير بتقديم أدلة و براهين اعترف بها أرباب التشريع الوضعي قبل غيرهم من مقلديهم، و بالتالي يثبت أنّ التشريع لا يكون إلا من خالق يعرف طبيعة مخلوقاته و هو الذي يدبر أمرهم و يدير شؤون حياتهم.
نلخص إلى أنّ قضية العالم بأسره هي قضية الإيمان بالله، لأنّه متى صحّت هذه العقيدة، تسلسلت بالضرورة جميع أركان الإيمان الخمس الباقية. و قد اعتمد المفكر المصلح في كتابه على دحض نظريات الملحدين بمنهج و شهد شاهد من أهلها، حتى لا يبقى لديهم إلاّ الاستسلام للحق الذي يجلجل، و إلاّ الجحود استكبارا و حسدا و قد استيقنتها أنفسهم ظلما و علوا.
و كما يقول قائلهم:
و قد يتبادر إلى ذهن قارئ هذا المقال سؤال مفاده: و ما حاجة المسلمين إلى قراءة هذا الكتاب؟، و إنّه لسؤال- مع احتراماتي- ينمّ عن شخصية مغيّبة منوّمة، و عقلية سكرانة معوّقة. و كما قال أبو العتاهية:
إذا لم يكن لك حسن فهم
أسأت إجابة و أسأت سمعا
سهيلة سعدوني
14-12-2015