في حياتي كلها لم
أقرأ إلا مسرحيتين الأولى كانت بعنوان la sauvage أي المتوحشة لكاتبها جون أنوويل و ذلك حين كنت
أقضي أيام العطلة الصيفية في منزل جدتي حيث كنت أنكبّ على مطالعة كتب الجيب
الصغيرة جلّها لكتاب فرنسيين كان خالي يكسبها لعشقه للأدب الفرنسي.
و الثانية هذه المسرحية بعنوانeverything in the garden للكاتب
البريطاني جايلز كوبر و ما دفعني لقراءتها هو حديث صديقتي البرازيلية أنيتا
الواقعة في غرام الأدب الانجليزي و خاصة المسرحيات عنها. المسرحيات التي أفضل
مشاهدتها و لا أهتم كثيرا بقراءتها ذلك لأنني أشعر أنني سأصاب بالملل حين أنكبّ
على قراءة حوار لا ينتهي من حيث أنه لا يوجد سرد للأحداث و غير ذلك.
المسرحية تجري أحداثها في ضاحية من ضواحي لندن أين يعيش بعض الموسرين الذين
بدت عليهم البحبوحة و الأبهة رغم مناصب شغلهم المتواضعة. و بطلا المسرحية هما
برنارد و زوجته جيني اللذان يحلمان بشراء بعض الحاجيات و لكنهما لا يملكان المال
الكافي لذلك. فتقرر الزوجة جيني أن تضع إعلانا في الجريدة للحصول على عمل الشيء
الذي يرفضه برنارد بشدة. و المفاجأة تحدث أو تبدأ حين تزور جيني يهودية تتاجر في
الرق الأبيض. تغري جيني بالمال و بطريقة يهودية " شيطنة بنو صهيون"
ماكرة تقنعها بالعمل عندها.و هذا إشارة واضحة و جلية لأيدي اليهود التي تنخر في كل
مجتمع على أرض المعمورة لتعيث فيه فسادا و مجونا و فسقا بشتى الطرق و الأساليب
مهما كان الثمن.
و بمحض الصدفة و بعض عدة أسابيع من العمل يجد برنارد نقودا في كل مكان مخبأة
في المزهريات و الدرج و الدولاب فيسأل جيني عن هذا المال. و من سين إلى جيم يصيب
برنارد كبد الحقيقة على أن زوجته تعمل في محل!! و الغريب في الأمر أنها لا
ترضى أن يسميه زوجها " ماخورا" بل حتى الزبائن تسميهم جيني عملاء.بل و
تطمئنه أن جميع زوجات جيرانهم و أصدقائه يعملون هناك أيضا.
كل هذا لحد الآن يبدو كقصة حقيقية و لكن الخيال و هو " حقيقة أيضا"
يحدث حين يقبل برنارد و يرضخ في الأخير لعمل زوجته و ذلك من أجل المال و المال
فقط.
الكاتب جايلز كوبر في هذه المسرحية يقف من مجتمعه موقف رجل ثائر مناهض لما وصل
إليه مجتمعه من تهاون و انحطاط و تراخ في المبادئ و القيم.
ليست المسرحية موجهة فقط لقرائها في العالم الغربي و ما يحصل فيه من فساد
عظيم. بل هي إسقاط حيّ على ما يحدث في مجتمعاتنا العربية و الإسلامية، حيث أن المسرحية
تصور كيف يبدأ المجتمع في الانهيار جرّاء استسلامه للرذيلة و اندحار الفرد و عزلته
حين يحاول المقاومة لدحض هذا الاستسلام للمعاصي و الذنوب و المجاهرة بها.
المسرحية أيضا تتناول موضوع الجماعة الفاسدة التي تتحدّى المجتمع الصالح و
تتحدّ فيما بينها من أجل استمرار فسادهم الذي ينعشون به حياتهم و مصالحهم و مصالح
غيرهم من الخونة و المجرمين في حق المجتمع و الإنسانية.
الترجمة كانت رائعة و مقدمتي الدكتورين محمد إسماعيل موافي و علي أحمد محمود
كانتا مذهلتين و فسرتا المسرحية من الناحية النفسية و الاجتماعية و على ضوء ما
يحصل في العالم المادي من تداعيات و انهيارات أخلاقية لا تعدّ و لا تحصى..
استمتعت كثيرا بقراءتها و أعجبني تسليط جايلز كوبر الضوء بطريقة بديعة في بعض
الجمل الحوارية الساخرة غير أنها تضغط على مكان الجرح فيمج صديدا.
سهيلة سعدوني
بعض الاقتباسات