أول ما شدني في
الكتاب هو الإهداء إلى الشباب المتطلع إلى العودة بالمجتمع الإسلامي إلى حلبة
التاريخ. قلما نجد كتاب و مؤلفين يقومون بتقديم الكتاب للشباب لكي ينهضوا بمجتمعهم
و أمتهم و هذا دليل على أن المفكر مالك بن نبيّ رحمه الله كان يعوّل كثيرا على
الشباب لإعادة المجتمع لقيمه و مبادئه المستنبطة القائمة من الشريعة الإسلامية
السمحة.
لكنني تأمّلت قليلا
فوجدت أن الشباب المقصودين هم القادة و الحكام و المسئولين اليوم علما بأن الكتاب
كتب في الخمسينيات من القرن الماضي. غير أن هؤلاء اليوم بين مخلوع و مطرود و مقتول
و مقال و حاكم رغما عن أنوف الشعوب.. و الذين لم يصلوا إلى مراتب عالية فهم دكاترة
و مفكرين و أساتذة. غير أن أقلامهم و تفكيرهم خفت بريقها و سكنت ضوضاؤهم حتى عدنا
لا نسمع لهم مقالا إلا ما رحم ربي. لكن و على رأي مالك فالأمل كل الأمل في الشباب.
تحدث مفكرنا رحمة
الله عليه على الأفكار فاعتبر أن لها أهمية كبيرة في مجتمع ما فهي تتجلى في
صورتين: إما أن تؤثر سلبيا أو إيجابيا. ففهمت أن الأفكار عوامل تساعد الحياة
الاجتماعية على النهوض و الرقي أو عوامل تهدم و تحطم المجتمع و تحيله إلى فوضى
عارمة من الفسق و المجون و الضياع، فالإنسان ما هو إلا مجموعة من الأفكار النفسية
التي إذا ما ركز عليها تحولت إلى سلوك و هذا السلوك لابدّ و أن تكون له نتيجة على
أرض الواقع. فإما ينفع و إمّا يضرّ. و هذا سبحان الله ما علمنا إياه الرسول الحبيب
صلى الله عليه و سلم حين قال:" إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا
يلقي لها بالا يرفعه الله بها في الجنة، و إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا
يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم" رواه الترميذي في سنده و أخرجه البخاري و
مسلم. لا يلقي لها بالا أي لا يهتمّ بتأثيرها و لا يأبه بنتيجتها.
فلننظر إلى واقعنا
لحظة و نسأل أنفسنا: هل كل واحد فينا يفكر في أشياء تساهم في الصلاح؟ و إذا فكرنا –
و أعلم أننا جميعا نفكر- هل بلورنا الفكرة و جعلناها سلوكا نجسده على أرض الواقع؟
و إن قمنا بذلك فعلا فكيف كانت النتيجة؟ إن كانت سلبية فلابدّ من التفكير مجددا و
إن كانت إيجابية زدنا في اجتهادنا و طورنا من أنفسنا. و هذا طبعا في مختلف
المجالات و الميادين و ما أكثرها في هذه الحياة.
نقطة أخرى تحدث عنها
مالك بن نبيّ رحمه الله و هي عقدة التخلف لدى المسلم. لقد توقفت عندها مساء كاملا
أقرأ فيها و أعيد. و أنظر إلى السماء من الشرفة مذهولة في أمرنا، بائسة حيّرة،
متجهمة الوجه متأملة، منعقد لساني متجمدة أناملي..
يقول مالك بن نبيّ
رحمه الله أن المسلم مريض بعقدة التخلّف و ينتهي نفسيا إلى التشاؤم و يردّ التقدّم
و التطوّر إلى الأشياء في حين أن التقدم يكمن في الأفكار.
تذكرت الكثير من
الأمثلة على هذه النقطة و قد حدثت لي شخصيا و أستهلها باعتذار شديد لمن سيفهمون!!.. فمن بين الأمثلة على
عقدة التخلّف التي واجهتها أقوال أقوام لا تدعو إلا لليأس و الإحباط و تثبيط
العزيمة.. فمرة قلت : أنني أريد فعل كذا و كذا.. فما لقيت من محدثي إلا كل أنواع
الفوبيا من النجاح!! مثل: هل أنت صغيرة؟ هل تظنين أن ذلك سيحصل؟ أنت تحلمين؟
لما لا تعيشين في الواقع؟ و غيرها من "التشجيع" التي تجعلك تلعن الساعة
التي تحدثت فيها!!.. و أغرب مقولتين قيلتا لي و هي فعلا عقدة التخلف في
أوجها حين أخبرت أقواما أنني أتكلم أكثر من ثلاث لغات، فاتهموني بأنني استعمل
" المعلم" للاستعانة!! و أقوام اتهموني بالسخرية منهم و أنني بلا عقل و غيورة
جدا حين جرى بيننا الحوار التالي:
قالوا: لقد " استطعت" أن أجعل صديقة لي تدخل في الإسلام..
قلت: ما شاء الله هذا جميل.. ما جنسيتها؟
قالوا: ل**نية
قلت: أهاا عربية.. الحمد لله..عندي نفس التجربة..فبفضل الله ساهمت بالقليل جدا
في التعريف بالإسلام لصديقتي البرازيلية و أخرى من المكسيك..
قالوا: أنا لا أمزح..أنت تستهزئين بالدين.. لماذا تسخرين..؟ ... أنت..أنا..
..............................
وقفت مندهشة أسمع وقع الكلمات و قد انسدّ عقلي تماما عن الفهم و الاستيعاب؟؟؟!!!!
و مثال آخر ليس ببعيد عن المقام.. "نصحني" أحدهم بأن لا أكتب مقالات
لأنني لست" خبيرة" و لست " بناقدة" و ذلك بعد أن أجبته بالنفي
على سؤاله: هل درست النقد؟
المسلمون اليوم- إلا ما رحم ربي- لا يرحمون و لا يتركون رحمة ربي تنزل..
و للحديث بقية..