التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أنا و الثقافة... الجزء الثالث



أول ما شدني في الكتاب هو الإهداء إلى الشباب المتطلع إلى العودة بالمجتمع الإسلامي إلى حلبة التاريخ. قلما نجد كتاب و مؤلفين يقومون بتقديم الكتاب للشباب لكي ينهضوا بمجتمعهم و أمتهم و هذا دليل على أن المفكر مالك بن نبيّ رحمه الله كان يعوّل كثيرا على الشباب لإعادة المجتمع لقيمه و مبادئه المستنبطة القائمة من الشريعة الإسلامية السمحة.
لكنني تأمّلت قليلا فوجدت أن الشباب المقصودين هم القادة و الحكام و المسئولين اليوم علما بأن الكتاب كتب في الخمسينيات من القرن الماضي. غير أن هؤلاء اليوم بين مخلوع و مطرود و مقتول و مقال و حاكم رغما عن أنوف الشعوب.. و الذين لم يصلوا إلى مراتب عالية فهم دكاترة و مفكرين و أساتذة. غير أن أقلامهم و تفكيرهم خفت بريقها و سكنت ضوضاؤهم حتى عدنا لا نسمع لهم مقالا إلا ما رحم ربي. لكن و على رأي مالك فالأمل كل الأمل في الشباب.

تحدث مفكرنا رحمة الله عليه على الأفكار فاعتبر أن لها أهمية كبيرة في مجتمع ما فهي تتجلى في صورتين: إما أن تؤثر سلبيا أو إيجابيا. ففهمت أن الأفكار عوامل تساعد الحياة الاجتماعية على النهوض و الرقي أو عوامل تهدم و تحطم المجتمع و تحيله إلى فوضى عارمة من الفسق و المجون و الضياع، فالإنسان ما هو إلا مجموعة من الأفكار النفسية التي إذا ما ركز عليها تحولت إلى سلوك و هذا السلوك لابدّ و أن تكون له نتيجة على أرض الواقع. فإما ينفع و إمّا يضرّ. و هذا سبحان الله ما علمنا إياه الرسول الحبيب صلى الله عليه و سلم حين قال:" إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها في الجنة، و إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم" رواه الترميذي في سنده و أخرجه البخاري و مسلم. لا يلقي لها بالا أي لا يهتمّ بتأثيرها و لا يأبه بنتيجتها.
فلننظر إلى واقعنا لحظة و نسأل أنفسنا: هل كل واحد فينا يفكر في أشياء تساهم في الصلاح؟ و إذا فكرنا – و أعلم أننا جميعا نفكر- هل بلورنا الفكرة و جعلناها سلوكا نجسده على أرض الواقع؟ و إن قمنا بذلك فعلا فكيف كانت النتيجة؟ إن كانت سلبية فلابدّ من التفكير مجددا و إن كانت إيجابية زدنا في اجتهادنا و طورنا من أنفسنا. و هذا طبعا في مختلف المجالات و الميادين و ما أكثرها في هذه الحياة.
نقطة أخرى تحدث عنها مالك بن نبيّ رحمه الله و هي عقدة التخلف لدى المسلم. لقد توقفت عندها مساء كاملا أقرأ فيها و أعيد. و أنظر إلى السماء من الشرفة مذهولة في أمرنا، بائسة حيّرة، متجهمة الوجه متأملة، منعقد لساني متجمدة أناملي..
يقول مالك بن نبيّ رحمه الله أن المسلم مريض بعقدة التخلّف و ينتهي نفسيا إلى التشاؤم و يردّ التقدّم و التطوّر إلى الأشياء في حين أن التقدم يكمن في الأفكار.
تذكرت الكثير من الأمثلة على هذه النقطة و قد حدثت لي شخصيا و أستهلها باعتذار شديد لمن سيفهمون!!.. فمن بين الأمثلة على عقدة التخلّف التي واجهتها أقوال أقوام لا تدعو إلا لليأس و الإحباط و تثبيط العزيمة.. فمرة قلت : أنني أريد فعل كذا و كذا.. فما لقيت من محدثي إلا كل أنواع الفوبيا من النجاح!! مثل: هل أنت صغيرة؟ هل تظنين أن ذلك سيحصل؟ أنت تحلمين؟ لما لا تعيشين في الواقع؟ و غيرها من "التشجيع" التي تجعلك تلعن الساعة التي تحدثت فيها!!.. و أغرب مقولتين قيلتا لي و هي فعلا عقدة التخلف في أوجها حين أخبرت أقواما أنني أتكلم أكثر من ثلاث لغات، فاتهموني بأنني استعمل " المعلم" للاستعانة!! و أقوام اتهموني بالسخرية منهم و أنني بلا عقل و غيورة جدا حين جرى بيننا الحوار التالي:
قالوا: لقد " استطعت" أن أجعل صديقة لي تدخل في الإسلام..
قلت: ما شاء الله هذا جميل.. ما جنسيتها؟
قالوا: ل**نية
قلت: أهاا عربية.. الحمد لله..عندي نفس التجربة..فبفضل الله ساهمت بالقليل جدا في التعريف بالإسلام لصديقتي البرازيلية و أخرى من المكسيك..  
قالوا: أنا لا أمزح..أنت تستهزئين بالدين.. لماذا تسخرين..؟ ... أنت..أنا..
..............................
وقفت مندهشة أسمع وقع الكلمات و قد انسدّ عقلي تماما عن الفهم و الاستيعاب؟؟؟!!!!
و مثال آخر ليس ببعيد عن المقام.. "نصحني" أحدهم بأن لا أكتب مقالات لأنني لست" خبيرة" و لست " بناقدة" و ذلك بعد أن أجبته بالنفي على سؤاله:  هل درست النقد؟
المسلمون اليوم- إلا ما رحم ربي- لا يرحمون و لا يتركون رحمة ربي تنزل..
و للحديث بقية..






المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أحابيل الشيطان

أحابيل الشطيان بعد أسبوع من المعاناة و التقلّبات المزاجية أنهيت رواية قواعد العشق الأربعون و بيدي سبعة قصاصات تحوي نقاطا و أفكار استنبطتها من الكتاب و هي كثيرة جدا، ولكنني سأحاول قدر المستطاع أن أدرجها بالترتيب الذي كتبته و أن أمحصّها و أحلّل الأهم منها حتى لا يتحوّل مقالي إلى جريدة. 1-   عنوان الرواية هو قواعد العشق الأربعون رواية عن جلال الدين الروميّ و بداخلها رواية بعنوان " الكفر الحلو" و هذا كان متعمّدا من الكاتبة التركية لأنّها تؤمن بالباطنية، الباطنية التي تحدّثت عنها طوال الرواية في شخصياتها و أحداثها و قواعدها. فالعنوان الأول يجذب القرّاء و أقطع يدي إن لم يكن جلّ من قرؤوا الرواية كان دافعهم العنوان و معرفة كيف يوقعون من يحبونهم في العشق !! . و هذا ما أردته الكاتبة تماما و قد نجحت فيه. أمّا نيّتها فهي أن توقعهم في متاهات التفكّر الشاذ و التأمّل اللاّمنطقي للدين عبر العنوان الثاني للرواية الداخلية و هو " الكفر الحلو" .و أنا بدوري تأمّلت ذكاءها الذي يشبه لحد كبير دهاء و مكر اليهود حين يخططون و يرسمون للإيقاع بأعدائهم ) نحن و غيرنا ( بتقديم شراب الب

قراءة لمسرحية كل شيء في الحديقة لجايلز كوبر

في حياتي كلها لم أقرأ إلا مسرحيتين الأولى كانت بعنوان la sauvage   أي المتوحشة لكاتبها جون أنوويل و ذلك حين كنت أقضي أيام العطلة الصيفية في منزل جدتي حيث كنت أنكبّ على مطالعة كتب الجيب الصغيرة جلّها لكتاب فرنسيين كان خالي يكسبها لعشقه للأدب الفرنسي. و الثانية هذه المسرحية بعنوان everything in the garden  للكاتب البريطاني جايلز كوبر و ما دفعني لقراءتها هو حديث صديقتي البرازيلية أنيتا الواقعة في غرام الأدب الانجليزي و خاصة المسرحيات عنها. المسرحيات التي أفضل مشاهدتها و لا أهتم كثيرا بقراءتها ذلك لأنني أشعر أنني سأصاب بالملل حين أنكبّ على قراءة حوار لا ينتهي من حيث أنه لا يوجد سرد للأحداث و غير ذلك. المسرحية تجري أحداثها في ضاحية من ضواحي لندن أين يعيش بعض الموسرين الذين بدت عليهم البحبوحة و الأبهة رغم مناصب شغلهم المتواضعة. و بطلا المسرحية هما برنارد و زوجته جيني اللذان يحلمان بشراء بعض الحاجيات و لكنهما لا يملكان المال الكافي لذلك. فتقرر الزوجة جيني أن تضع إعلانا في الجريدة للحصول على عمل الشيء الذي يرفضه برنارد بشدة. و المفاجأة تحدث أو تبدأ حين تزور جيني يهودية تتاجر

قراءة في كتاب: النهضة من الصحوة إلى اليقضة للدكتور جاسم سلطان

معلومات عن الكتاب: الكاتب هو المفكر القطري جاسم سلطان  صاحب مشروع النهضة، و للمزيد من المعلومات عنه و ما يقدمه، أحيل عزيزي القارئ إلى هذا الرابط:  http://www.4nahda.com/user/9 عنوان الكتاب : النهضة من الصحوة إلى اليقضة  و هو الجزء الأول من سلسلة أدوات القادة في مشروع النهضة المجال : فكري تنموي نهضوي عدد الصفحات : 259 المقدمة : اشتملت على نقاط محددة لبدء عملة تناول الموضوع فكريا و وجدانيا، لذلك استعمل الكاتب مصطلحات معينة في مقدمته و هي كالآتي:  الفهم : أي فهم الموضوع من جميع جوانبه، و بالأساس فهم مسألة النهضة و طرح استشكالات عنها لتحديد ماهيتها و كيفية القيام بها. خارطة ذهنية :  تشبه قاعدة البيانات للإلمام بهذه القضية، الملاباسات و المعطيات و الطريق و الأرقام و الأمثال.... ثم عرج الكاتب سريعا على خطة بحثه و التحديات التي واجهها و هو بصدد تأسيس المشروع برمته مشروع النهضة. التمهيد: يبدأ فيه بتعريف النهضة على أنها حركة فكرية عامة منتشرة تتقدم باستمرار في فضاء القرن،  و تطرح الجديد دون قطيعة مع الماضي. و هناك لفظ التنمية التي ستعملها المختصون في مجالا