عرب و مسلمون للبيع... هذا العنوان لن يشدّ إليه إلاّ كل عقل ملأه
الفضول و كلّ فؤاد اعتراه الحزن و الذهول ممّا يحدث في بلاد الإسلام و المسلمين. و
لعلّ هناك من يفضّل عدم قراءة كتب من هذا النوع كي لا يتفجّر الجرح ألما و حسرة و
يتحوّل القارئ إلى كتلة بشرية كاسفة كئيبة تخلد إلى النوم السريري بفهم سوداويّ و
يأس حالك لا علاج له.
غير أنّ هذا هو الظاهر فقط، و الصحيح المفاجئ هو أنّني بمجرّد ما
أنهيت الكتاب حتى انشرح صدري، و تبدّلت معالم وجهي من عجوز كئيبة في سنّ الشباب
إلى ملامح طفلة حالمة تطير من السعادة و يملأ قلبها شعاع الأمل و اليقين0
فالكتاب في أوّله يوضّح و يبيّن مكانة العرب و المسلمين عبر التاريخ و
لعلّه بدأها منذ سقوط الدولة العباسية في عهد المستعصم و الأهوال التي حدثت على يد
هولاكو إلى يومه ذاك – و أقصد الزمن الذي كتب فيه الكتاب- و هو عبارة عن صفحات
تاريخية بيّنة أكثر من أن يكون بحث أو دراسة في أوضاع المسلمين.
قارئ الكتاب يشعر أنه يشاهد فيلم فيديو لأعنف و أفضع الجرائم المرتكبة
على المسلمين على مرّ العصور. و الأجزع و الأنكى هو تلك المشاهد المقزّزة لأثرياء
العرب و لحكامهم و أمرائهم و خنوعهم و ذلّهم و مناصرتهم لأعدائهم.
ممّا أذهلني و جعلني أضرب كفا على كفّ تلك الحقائق و الوقائع التي
استشهد بها الدكتور عبد الودود شلبي في كتابه و التي من النادر أن تجد لها مثيلا
في كتب أخرى لاسيما الكتب التي ترثي حالة الشعوب الإسلامية !!!
من هذه الشواهد رسالة الداعية الإماراتي عبد
الله بن علي محمود إلى مسئوليّ دولة الإمارات يناشدهم فيها بعدم الخضوع لأهواء و
أعداء الإسلام الذين يملكون ما يملكون في هذه الدولة و الذين يتمتعون بامتيازات
الفساد و الفسق!! ضاربا أمثلة و مستشهدا بدليل ميزانية
بيع الخمور في فنادق الدرجتين الأولى و الثانية!!
و أيضا
من الوقائع المثيرة للاهتمام الوضع الماديّ الذي كانت عليه الدولة العباسية في
أواخرها في عهد المستعصم و كيف أنّ الفساد المالي و الأخلاقيّ و الظلم و الجور كان
قد تفشى و طغى ممّا لا يعالجه دواء ولا يصلحه إصلاح. و لعلّ ما يصف هذه الحالة
السقيمة المستعصية على العلاج مقولة
هولاكو بعدما استولى على الدولة و قتل الخليفة...
يحوي الكتاب أيضا على خطط أعداء الإسلام و مدى حقدهم
الدفين و كيف يربون أطفالهم على كراهيته و ضرورة القضاء عليه و المثال الشنيع تلك
الملحمة الشعرية التي تدرّس لأطفال الصرب في المدارس الابتدائية كتبها شاعر
أرثدوكسي متعصب يحثّ فيها على تنظيف الأرض من الأوساخ!! و كيف أنّ المسلمين طرقوا سبيل الشيطان و الشرّ
و دانوا بدين الكلاب...
لن أستطيع ذكر جميع الأمثلة و الشواهد هاهنا و
لعلّي أختم برسالة الدولة الأمّ- فرنسا- إلى أبنائها المخلصين من المارونيين في
لبنان. هذه الرسالة التي تحمل الوصايا العشر المستلهمة من وصايا العقيدة المسيحية
المحرّفة التي تمقت كل ما هو مسلم. إنّها رسالة موجودة لحدّ الآن كتراث – و كذا
كمرجع أكيد- في أحد الأديرة بلبنان. و العجيب أنّها وصايا تحريض و تحفيز و تشجيع
لكلّ ما هو لاإسلاميّ.!!!
كما عرّج الكاتب على فضائع كثيرة كمجازر البوسنة
و الهرسك، و بورما، و مجازر الهندوس و غيرها كثير و كلها يجتمع في استنتاج واحد
ألا و هو أن الإسلام هو ما يراد تصفيته و ليس البشر كبشر.
لا شكّ أنّ الدعاء في صلواتنا و في غيرها لأهل
الإسلام المضطهدين و المنكّل بهم فرض يجب أن نلتزم به مع خالص اليقين و الثقة في
الله. غير أنّ هذا لا يمنع القول بأنّ الاكتفاء به فقط هو عين الجهل و الضعف و
الهوان لا محالة. فكيف تملك الدول العربية ما تملك من جيوش و أسلحة و إخوانهم
يبادون كل يوم؟ و كيف تنتهج الحكومات التطبيع مع من يقتلون إخوانهم؟ كيف يعرف
الواحد فينا أنّ هذا الفعل ذنب و يفعله ذهابا و إيّابا دون أن يوجعه قلب و لا يرفّ
له طرف؟... المسألة تقع على الجميع بدون استثناء هذا ممّا لا شكّ فيه. غير أنّ
الأمل في الله كبير و العزّة للإسلام واقعة لا محالة أحبّ من أحبّ و كره من كره. و
هذا ما يظهر في قصّة المرأة الريفية التركية في آخر الكتاب التي رفضت أخذ المال
الزائد – الفائدة- و صرخت:" إنّه حرام..إنّه حرام.."..
كتاب فعلا يستحقّ القراءة مع ضبط النفس و الحرص
على استيعاب ما قرء و فهم ما قصد.
الكلام في الموضوع يطول و قد قيل ما قيل و لازال
يقال و سيبقى يقال..لأنّ العرب ألسنتهم منطلقة و عقولهم لحدّ الآن متحجّرة إلاّ ما
رحم ربي و سيرحم ربّي من شاء و إليه المصير.
سهيلة سعدوني