الجزء الرابع
الفصل الأول من كتاب مشكلة الثقافة يتحدث المؤلف مالك بن نبيّ رحمه الله عن مفهوم الثقافة على ضوء التعريفات المتنوعة للمدارس المختلفة. يقول أن الثقافة كفكرة أو كمسمّى جديدة حديثة جاءت من أوربا و بالضبط من كلمة زرع " cultiver" و هي ثمرة من ثمار عصر النهضة الذي شهدته أوربا في القرن السادس عشر.
الثقافة لدى الغربيين هي ثمرة فكر الإنسان. و عند الماركسيين هي ثمرة المجتمع. و يقسمها وليام أوجبرن إلى قسمين:
1- ثقافة مادية و هي مجموع الأشياء و أدوات العمل و ثمراتها
2- ثقافة متكيفة و هي العقائد و العادات و الأفكار و التعليم..الخ
إذن الثقافة مكونة من الأشياء و الأفكار. غير أن السبب الأول والرئيسي لنهضة أي مجتمع إنما يكون عن طريق انفجار براكين الأفكار و الابتكارات من الإنسان.و قد ضرب مالك بن نبيّ رحمه الله مثلا عن ألمانيا التي شهدت الانهيار الكامل لعالم الأشياء استطاعت باحتفاظها بعالم الأفكار و العزيمة أن تنهض من جديد و أي نهوض؟؟..
كثيرا ما نجد العرب بصفة عامة يفتخرون ببنايات شاهقة و حدائق واسعة و بسوبر ماركت جديد جميل و أنيق في حيهم.. و يظهر الفرح على وجوههم و الفخر لدرجة الخيلاء مع أن معظم هذه الأبنية أوجدها غيرهم من العجم!! فهل هذا دليل قاطع على أننا أصلا لا نفكر و ليس فقط أن أفكارنا ناقصة؟
و إن حدث و وجد عباقرة فإما منسيون و إما مهاجرون و إما ميتون!!!.. فأين نحن من عالم الأشياء و عالم الأفكار الخاص بنا نحن و ليس الخاص بغيرنا في دارنا؟؟
أتذكر مرة سألت فيها والدي حفظه الله الذي كان يعمل في مركز البحث العلمي في الأنثروبولوجيا الاجتماعية و الثقافية كيف يقوم الباحثون في المركز بعملهم؟ و ماذا يقدمون؟، فما كان منه إلا أن ضحك ضحكة تشي الحسرة و الألم و قال لي بالحرف الواحد )–بالفرنسية- ( : " الأجدر أن تسألينني إن كانوا حقا باحثين؟".. إذن فهناك خلل كبير و عميق جدا.. إذا كان الباحثون لا يقدمون شيئا تظهر ثمرته جليّا في المجتمع؟ و إذا قدموا بحثا يساهم في النهضة و الثقافة فلما يلاقي بحثهم هذا الويل و الثبور من المسعوولين؟؟
سأكون مجرمة بحق العروبة إن أنا قارنت برنامجا مثلا على قناة دويتشة فيله و بين برنامج على قناة عربية؟ لأن ذلك سيحط من قدرنا-أكثر- فما عندنا من انحطاط على القنوات يكفينا. حيث لا نرى إلا الرقص و الرقص والرقص. أنا لا أقول أن الرقص غير ضروري فارقصوا كيف شئتم و لكن يا عالم لما يكون الرقص كالصلاة يوميا و عملا لا بدّ منه؟؟؟؟؟..
سئلت إحدى الفنانات في مهرجان عن شعورها و هي ترى الدمار و الخراب في سوريا و البلاد العربية و هل تقدر على العطاء الفني كما كانت تفعل من قبل؟.. فأجابت بكل جرأة و يقين أن الحياة لا بدّ أن تستمر و الفنان لا بدّ أن يعيش من أجل أن يعيش الناس!!!... لكن من هؤلاء الناس الذين يعيشون؟؟ حتى إن الحسناء لم تداهن قليلا و تبدي عن أسفها و ألمها بصوت متحشرج؟؟.و سئل أحد الصحفيين الفرنسيين على قناة فرنسية عن شعوره بفقد أحد زملائه في الساحل الافريقي فبكى و لم يقدر على الحديث!!! و حين تحدث وعد بعمل كبير ذكرى لصديقه المتوفى!!
كل هذه المواقف و غيرها كثير من الأمثلة تمثل معنى الثقافة.. و إعمال عقل الإنسان العربي و أسلوب تفكيره الذي يبدو واضحا أنه بعيد كل البعد عن معنى الثقافة إلا ما رحم ربي... و هذا ليس تشاؤما بل هو واقع مرّ والأمرّ منه أن نتابع الحديث عنه دون هوادة...