من منا لا يتمنى أن يتحلى بشمائل حميدة تجعل قلوب الناس تحجّ إلى قلبه و تأنس به؟. سؤال قد يبدو في طرحه بسيط و لكن مدلولاته و الإجابة عنه قد تكون أصعب مما نتصوّر، حيث أنّنا لا نكاد نهتّم بالجانب الإنساني لدينا تجاه الآخرين في زمن أصبحت فيه النفوس ضائقة متحجّرة، تئنّ مرارة الأنا و حرقة الضغينة بوعي منها أو بدون وعي. هذه حقيقة لا نستطيع إنكارها البتّة.
تعلّمنا على مدى سنوات في زمن التعاملات مع البشر أن نكون وديين محبين بشكل ميكانيكي لا حياة فيه و لا يخرج هذا الشعور عن الإطار الصوري للمجاملات و كثير من الأحيان مداهنات تشي بعدم قدرتنا على التفاعل الحقيقي و التعامل بصدق لا تشوبه شائبة، و كأنّنا نخشى من إظهار العطف و التفهّم حتى لا ننجرف وراء هذه المشاعر فيظهر ضعفنا و يأسنا من أحوالنا. أو نرفض الاستسلام للمحبّة الصادقة مخافة الانهزام أمام سطوتها حتى نواصل التظاهر بأننا أقوياء لوحدنا. و الرفض قد يكون سببه التعصّب و الرفض المطلق الذي لا يوافق إيديولوجياتنا و أفكارنا التي نشأنا عليها. و مهما كانت الأسباب في عدم مقدرتنا على تفهّم الآخر بكل صدر رحب و تقبّله كيفما كان فهي قد نجحت إلى حد كبير في تعنّت عقولنا و تحجّرها فلا تتوسع لتدع أكسجين الاستماع للآخر يسكنها و لا هي تتفكّر في ناموس الحياة و أنها لا تستمرّ إلا إذا توقفنا عن اللغط و الغوغائية في النقاش و التحليل.
لكي نكسب قلوب الناس حقا و نتعايش بسلام مع مختلف الشخصيات الإنسانية لابدّ أولا من إتقان فن الإصغاء حتى لو كان الذي يتحدث يدور في دائرة لا تنتهي. مجرد الإنصات يتيح للآخر فرصة تفريغ الطاقة فضلا على مساعدته في رؤية المشكلة أو القضية التي يتحدث عنها بشكل مغاير عما إذا بقيت داخل خلده.أن نستمع لأفكار الآخرين و ننصت لأحاديثهم عن مشاكلهم و معاناتهم فهذا يعدّ بالدرجة الأولى عملية تربوية و سلوكا حضاريا بامتياز، و انطلاقا من مفهوم أن لا أحد يملك الحقيقة الكاملة و بالتالي ليس هناك من هو على صواب مطلق أو على خطأ مطلق فهذا يلزمنا الانصياع لغريزة الإنسان الاجتماعية في فهم بعضنا البعض و إعطاء شرعية للاختلافات في الرأي بكل مودة و نضج دون المساس بمشاعر الآخرين أو التعدي على كينونتهم التي خلقهم الله عليها.التواصل شيء مهم في الحياة و عن طريقه ينضج العقل و نستطيع قولبته لنفك عنه حصار الرفض اللامنطقي و نشعر بديمومة تألقه.و لعلنا نطرح السؤال عن كيفية أن نكون محايدين في أفكار الغير التي لا تتناسب و أفكارنا؟ و الجواب على هذا السؤال بسيط للغاية و هو أن نفكر فقط أننا نملك أفكارا لا تناسب أفكر الآخرين فالعملية متبادلة و المعادلة منطقية فنحس بالراحة و نحن نتقبل رأي غيرنا برحابة و تحليق في سماء الرقي.القدرة على العطاء بالمشاعر و التعاطف مع الغير دليل القوة في الذات و أن الشخصية التي تتسم بهذه الشمائل ما هي إلا شخصية قوية واثقة من نفسها فهي تعرف حق المعرفة أن منيكلمها لا يهددها لأن ما لديها لا يهتز فيشعر الآخر بالرضا و الراحة مما يفضي إلى تحسن صحته النفسية و الفكرية.و أخيرا و في رأيي الشخصي المتواضع الشباب خاصة الذي يقرؤون هم أمل هذه الأمة في نشر هذه الصفات العقلانية و التحلي بمروءة التفهّم و عدم الانصياع للطبالين الذين يريدون بناء سد منيع بين الفرد و الفرد في مجتمع واحد.
بقلم الكاتبة /سهيلة سعدوني