تونس مطرها لا يشبه الغيث الذي ينزل في الجزائر.. فيه
طعم المالح الحلو و لون لازوردي
خلاب..نزلت زخات من سماء تونس تلك الأمسية..رقيقة جدا لدرجة أنها لا تكاد تظهر
للعيان..
كنت خارجا أكتشف تلك النواحي القريبة..قلب العاصمة دقاته
متسرعة تنبض بالحياة.. تهيأت شوارعها لسهرات الليل حتى إن عبقها ليشم من مكان
سحيق.. متمسكة بالحياة تنثر ورود الاستمتاع لحد الشهق..هذه مدينتي التي أريد.تلك
المدينة التي كانت في ذاك الوقت القريب البعيد...
هرولت أفكار جنونية كلمح البصر في قشرتي المخية تخيلت
نفسي أعيش في تونس.....
التونسيون عاشقون متيمون.. عاشقون للعشق و لأهله.. أينما
وقعت عيني تحسست بمستقبلاتها البصرية العناق و الضحك و الطلعة البهية..نساء كانوا
أو رجالا..رأيتهم و فيهم فن الإغواء بالحياء ممزوج حركاتهم و
مشيهم و كلامهم..
يا إلهي!!!... كلامهم قطعة حلوى وردية تتسايل عليها لعاب المتيمين..
ركزت كثيرا في كلامه هذا و ذاك و استرقت السمع لمحادثات هذه و تلك و تلصصت على شيفرات
لغة المحبين...
لكنة تذوب برفق كالثلج الأبيض إذا أطلت عليه نجمة الشمس الكبيرة
بدفء تداعبه به.. كل كلمة من كلماتهم رقيقة و شفافة..كأنما حروفها نسجت بخيوط
الحرير من النوعية الجيدة..
" باهي، قبيليكا، شنية الحكاية، روحتي بكري، حاصيلو،
نحبك،بحذايا.. حاجتي بيك" ... و غيرها
من ألفاظ مستطابة سرقت عمدا من صيدلية الهيام فأضحت دواء لكل عليل و مصاب..تلذذت
باللهجة التونسية..أسرتني فنسيت اسمي.. أيقنت أنني وقعت في غرام تونس فلا مفر و لا
هناء إلا إذا مارست أناشيد الحب معها...و وددت لو أنني أستقر في أحضانها...
ماذا أتوقع مني أنا المنزوية في مشهد المدنية
الحجرية؟..لا عجب أن أعشق هذه المدينة فهي حبي المكاني الأول...
رواية حضرة الاوراق
لسهيلة سعدون